نوايا الشاعرة جهاد المثنانى دراسة

الشاعر ع12 مارس 2019آخر تحديث :
نوايا الشاعرة جهاد المثنانى دراسة

المحتويات

نوايا الشاعرة جهاد المثنانى دراسة

العنوان الملتبس بـــــ نوايا الشاعرة التونسية جهاد المثناني قراءة : الشاعرة والأديبة د. أحلام غانم

تمهيد هنا كما الهناك من تَعَـثَّرَ في الجمالِ فوقع بين النَّوَايَا, حيث الحياة تورق عناويناً .. ثمّة عنوانٌ يفرضُ عليك نفسه منذ الإطلالة الأولى:

يُشَوّشُكَ، وَيُقْلِقُكَ، ثُمَّ يُفجِّرُ بِداخلِكَ سيلاً عارماً منَ الأسئلة التي لا تُفارقُكَ إلى أن تجدَ أجوبةً تكون مُقنعَةً عنها أو شافيةً إلى حدّ ما،و نوايا ” جهاد المثناني هو من هذا النوع. فوضى الطوفان إن أسلوب “جهاد المثناني ” يشبه فوضى الطوفان ،فهو لا يتقيد بالحدود التي ترسمها نوايا الآخر، فإذا غضبت الطبيعة ابتلعت ذلك وتمردت على كل النوايا والأعراف والتقاليد …هذا هو أسلوب الإبداع، لا يمكن لنا التكهن بنواياه ،وهذا يقربنا من مقولة فاليري، الذي قال: “إن الأسلوب في جوهره انحرافٌ عن قاعدةٍ ما”. نوايا ثمة أمور تسوّغ اعتراف “جون كوهين” بوجود شعرية للأشياء إلى جانب شعريّة الكلمات ، لكنه هل أقرَّ أنَّ للنوايا شعرية ؟

يشكل عنوان “نوايا ” معلما بارزا ً من معالم المنهج السيميائي على خلفية أن العُنْوان هُوِيَّة النَّص التي يمكن أن يختزل فيها معانيه ودلالته المختلفة, بل حتى مرجعياته وإيدولوجيته ومدى قدرة مبدع النص على اختيار العنوان المغري والمدهش, والممثل لنصه(1). العنوان /نوايا يعد أول إشارة سيمولوجية تجذب انتباه المتلقي ،وغالبا ما يتجاوز اللغة المعيارية إلى لغة منزاحة في مسارها المألوف ،ويتعدى إلى أغراض رمزية وإيحائية وفنية وجمالية . النص الموازي لهذا السبب عد العنوان من أهم عناصر النص الموازي التي تسيج النص, وكذا المدخل الذي يلج خلاله القارئ إلى حضرة النص,إذ يحتل العنوان الصدارة في الفضاء النصي للعمل الأدبي فيتمتع بأولية المتلقي(2). اللعبة اللغوية إذا كانت جمالية اللغة الشعرية في أنها تظل سراً من أسرار اللعبة اللغوية ، وأنّ القارئ لا يحلّ ألغازها كلّها ، فلابد للقارئ من مفاتيح يجربها لعله يظفر بالمزيد من أسرار تلك اللغة ، فرغبة المرء في التفسير ،و في العثور على الأجوبة حيث لا أجوبة نهائية تحمله على التفكّر والبحث عن ما وراء النوايا اللغوية للقبض على مفتاح النوايا الشِّعريّة عند “المثناني”. الفضاء الأزرق هل يملك القراء ، وهم في فضاءات العنكبوت ،القدرة على اكتشاف الخداع والتضليل اللذين يشكلان السلوك الأكثر اذى للنوع البشري في ظلّ ثقافة الاستحواذ التي تعممها وسائط الاتصال التي لا تكف عن العزف على اوتار الغرائز الرخيصة ،ووسط هذا الفضاء الأزرق اللامتناهي ،فإلى أي مدى تبلغ فاعلية نوايا العنوان في اثارة القراء؟ القيمة الدلالية شرعية السؤال تأتي من فاعلية النوايا ، لأنّها من دون أدنى شكّ العتبة الأظهر والأقوى والأكثر استفزازاً لمحرّكات المتلقي .

قد تكون (النوايا ) انزياحاً مقصودا ،وهي محاولة من الشاعرة في ترميز هذي النوايا وإطلاقها بتعبير شعري ، وهذا يعزز من القيمة الدلالية لفكرة ( النيّة ) ربما تكاد ان تكون قضية ذاتية تختص بها الشاعرة فالنِّيّة تمتلك عندها قيمة جمالية ودلالية لتحلق في أجوائها ، وفي السياق نفسه تمنحنا بعض من وصايا جدتها للنوايا : من وصايا جدّتي يا سادتي أن نُحنّي للنّوايا والرّصيف أن نزيحَ اليُتمَ كيْ لا يتغنّى الشّعرُ يوما بالخَرِيفِ كيْ يَضِيعَ الجرحُ فينا وتكفّ الأرضُ عن ذاك النّزيفِ وإن اختلفنا في تحديد الأهمية الوظائفية “للنوايا ” مثلما اختلف النقاد في وظائف وتقسيم العنوان، إذ هو أحد تقنيات النص الموازي التي لا تزال تشكل مدخلاً لدراسة النص الأدبي، و في “نوايا ” يصف حالة نفسية وفكرية وحسية للشاعرة بأبعادها الفكرية والأدبية . عنوان إشكالي يحدد (ليوهوك ) أحد مؤسسي علم العنونة المعاصر ، العنوان بأنه ( مبنى وشيء مصنوع لغرض التلقي والتأويل ) وفي هذه القراءة نسعى إلى فك شفرة عتبة عنوان ( نوايا) للشاعرة المثناني باعتبارها أم النوايا . يتألف العنوان في جزالة لفظية ، من كلمة واحدة تحمل مجموع النوايا ، يعتبر من(العناوين الانزياحية )وبتتبع قراءته السيميائية ، ندرك وجوب تفكيكه ،لأنه عنوان إشكالي يحتاج إلى الحفر في خفاياه وتأويله ،وتأتي وظيفة النوايا /العنوان بوصفه مجموعة العلامات اللسانية التي تغري القارئ وتحدد النص ،و يعد مفتاحاً اجرائياً في التعامل مع النص في بعديه الرمزي والدلالي ،وإن النوايا مطايا النفس والروح ،وفيها يكمنُ سرّ المجاز الشعري . فخاخ الأسئلة إذا كانت الأعمال بالنيات ،للسفر في “النوايا” هيبة اندلاق القصائد فوق احتمالات الغياب ،للنجاة من فخاخ الأسئلة المنصوبة بين الكلمات وفي المعنى أيضا. فالنِّيَّةُ تو جُّهُ النَّفس نحو العمل والتأمل والتفكير، لاستدراك القهر والظلم والعذاب كي تؤسس القصيدة بين الغياب والحضور سيرتها المبتهجة بنداء الذات .

من يمنحنا النِّيَّة الصافية إذا عزم القلب على أمر من الأمور خلسة دون سابق إشعار؟ كيف تُحَـدّثُ الشاعرةُ الطّريقَ عَنْ طِفْلةٍ قـدْ ضيّعَتْ …فِي حُـلمِها الطّريق باللغة؟ من يًحَدّثُ الآخر؟ الكائن الشعري بحدسه المتجه نحو المستقبل والآتي والمجهول والملتبس والمُلغز والمحُير أيضا، أم القصيدة تستعير لسان الطفولة من نوايا الشاعرة؟ وسواء كانت النوايا صامتة أو صاخبة ، فهي تخفي لدى الشاعرة بوحاً داخلياً ومقداراً من الألم النفسي لا يسمعه ويعرفه إلا هي ، ورغم قساوة الظروف ، الشاعرة “المثناني” تهدفُ إلى إبهار المتلقِّي وشدِّه لقصيدتها، مستعملةً عددًا من الوسائل في تحقيق غايتها، وما الانزياحُ إلا وسيلةٌ من هذه الوسائل. وببعض النوايا تمضي بنا بمائها الرمزي، وحريتها المصادرة، وأحلامها المعتقلة والمؤجلة وتغفو قليلاً كبعض النوايا إذ تقول : بعضُ النّوايَا كتشرين تمْضي إلى الماءِ والماءُ ُ عِندي سليلُ الحكايَا عن اللّيلِ والخيلِ والأغنيات … نوايا الريح فالشاعرة لا تكتب لكشف النوايا أو الإعجاب، بل من أجل الحياة، من أجل أن يكون الحاضر حاضراً وليس ماضياً مموها في الحاضر. فجاءت العنونة”نوايا ” من أهم النصوص الموازية للنص “نوايا الريح ” إذ أنه يصافح بصر وسمع المتلقي، وهو المفتاح الذي ستُفتح به مغاليق النص “العنوان مفتاح أساسي يتسلح به المحلل للولوج إلى أغوار النص العميقة قصد استنطاقها وتأويلها ” (2). عبرت عنه الشاعرة في نصها المعنون :”نَـوايَا الرّيح” لي نوايا الرّيحِ وَهْيَ تَحْتفي حينًا بأرضي وانتِمائِـي لي ابتهالاتُ النخيلِ لي سماءٌ أرسَلتْ دمعا تجلّى في اغترابِ الأنبياءِ لي انزياحاتُ التّرابِ لي أغانِي الفقراءِ وقميصٌ فيه ريحُ العائدينَ من تخومِ الرّافدين شمس المعنى وعليه ،إن المقابلة بين اللّغة ومعنى المعنى تستلزم أن نأخذ مركزًا للانطلاق باتجاهات دائرية؛ أي أن نبحث عن قصديّة المعنى، هل انطلقت اللغة من معنى محضّر وجاهز في ذهن الشاعرة ، أم استطردت السّياق فتوهجت شمس المعنى دون أن تدري؟ هل استطاعت الشاعرة تجلية الغشاء عن الأنا، ليراها الآخر على حقيقتها /نيَّتها؟ النّيّة لُغة :تمّ تعريف النيَّة لغوياً بعدد غير قليل من المعاني، فمنها الأقرب من حيث المفهوم، والتداول والاستخدامات، وهذا تحليل كلمة النيَّة يأخذنا لمعرفة المعنى: (نيَّة) من أصل الفعل (نوى)، مصدرها (نَوْيَة) على وزْن فَعلّة. نظراً لاجتماع حرفي العلة (الواو الساكنة مع الياء المشددة) تمّ حذف الواو للثقل. جمع نيَّة: نيّات، و “إنّما الأعمال بالنيّات” النّيّة اصطلاحاً النّيّة، هي أيّ عمل دون استثناء يبدأ من الجوارح، يكون في البداية فكرة، ثم يتم تفعيلها بين العقل، والقلب، والروح، وإنَّ صحّة العمل تكمن في سلامة الجوارح، فإذا صلحت الجوارح صلحت النيَّة وبالتالي يصلح العمل، فالنيَّة الحسنة تؤدّي للعمل الحسن، والنيَّة السيّئة تؤدّي للعمل السيئ، وقد شبه البعض أنّ النيَّة بالنسبة للعمل بمثابة البوصلة التي توجه الأعمال وتصحح مساراتها. بوصلة الحقيقة ستحاول ” جهاد المثناني ” عبر مجموعتها الشعرية “نوايا ” الإجابة عن بعض التساؤلات وكما يقول أرسطو “إن على من يرغبون في الوصول إلى بوصلة الحقيقة أن يسألوا الأسئلة الصحيحة أولاً.”، ما هي البُنى التي يتكون منها العنوان؟ ما دلالته؟ ما هي وظائفه؟ وما هي علاقته بالنصوص الموازية الأخرى؟ هناك من الباحثين من نزع إلى تحديد وظائف العنوان في سياق الاعتماد على اللغة التي قال بها “رومان ياكبسون ” وقد حدد جيرار جينيت للعنوان أربع وظائف هي : 1- تحديد هوية النص 2-الوظيفة الوصفية ، هي وصف النص بإحدى خصائصه الموضوعية أو الشكلية 3- الوظيفة الدلالية الضمنية أو المصاحبة ( الإيحائية ) 4- الوظيفة الإغرائية وقد كان العنوان ” النوايا ” هو احد العناوين الفرعية لقصائد الديوان وان عناوين القصائد الاخرى قد جاءت في الاغلب ملائمة لموضوع الديوان متماشية معه . مجسّات بلورية ولو تأملنا في قصيدة (إنّي الفصولُ)لوجدناها ذاتية الانطلاق وكأن الشاعرة فيها تدغدغ بياض الغيم وتنثر شتات الكون فوق مراود الكحل وتجعل لروحها مجسّات بلورية تلون وميضها بالمَجَاز و تتحسس همومه فتقول: وزّع نوايا الحب في أرجائي وارسم على جسدي الضيا وتهجَّني فالأرضُ بِكْرٌ والترابُ خِبَائي دغدغ بياضَ الغيمِ واتلُ قصائدي لعل من الامكان القول ان الشاعرة تريد القول :إن الشعر يمثل مرآة للنيَّة مثلما للجسد مراياه التي تعكس صورته وهذا نلمحه داخل قصيدة حنين المرافئ: كتبت اعترافي بأنَّ الشموخَ لهذا الوطن وأنَّ الضياءَ سليل ُالمرايا وأنَّ المرايا لوجهي تحن أيا وجُه هلا أقمتَ بوجهي بقمح وملح نخلة النوايا تتحدث الشاعرة عن وظيفة الشعر وحراكه المجتمعي لأنها تلقي بقمحها وملحها (شعرها- مرآة روحها) بلحاظ النص السابق في روافد البناء الثقافي للمجتمع، ليفك بحسب رؤيته بعض الشفرات التي قد تحل بفكها بعض المشكلات التي يواجهها المجتمع ويكون هو الكفّ التي تهز نخلة النوايا لتساقط رطبا جنيا.. إن الشاعرة من خلال نواياها الشعرية تمارس فعل التطهير للتخفيف من معاناتها، كل ما في النص يحيل على سواد قاتم إنها مغامرة مواجهة الحزن عن طريق اللغة. (الحُزن القَديمِ، يئنّ هُتافي ،الشّدوُ يَرثي حنينَ ، وتلكَ القبورُ تجيدُ النّداءَ، وجرحٍ ينوءُ ، ينبئُ اللَّيلَ المُعنّى بالسّوادِ… مراسمُ السّواد) حقل من الحزن القديم يرمز لتشظي النفس وانكسارها، إنها هويات معطوبة، متنوعة مفعمة بعشق التأويل وفرادة الرؤيا، لتُعبر عن الفقد والألم قبل أن تعبره بفتنة القصيدة. “جهاد المثناني ” لا تقدم نصا، بقدر ما تقدم سيرة حياة، سفر للقلب والعين والذاكرة حيث يحار المتلقي في البحث عن مداخل النص إلا بالانخراط في حرارته وحركيته، إذا اتسعت الجراح ضاقت نيّة العبارة بألمها . على سبيل الختم : إن الله لا يضيع أجر العاملين فمن صحت نيتهم للوصول إلى بر الأمان لا بد يتبعون الطريق الصحيح فتصح النوايا و تصح المطايا معها. ومن خلال هذه الرؤية ، إذا صحت النوايا صحت المطايا وتأسيسا على ما سبق نصل إلى أن قصيدة الشاعرة تختبر عمق القلق الشعري ونداء الذات وهي تغامر في اتجاه كينونة اللغة لتقيم في الكتابة الشعرية باعتبارها مسكنا وجوديا آمنا، واختيارا آمنت به الذات الشاعرة منذ البدء ،لأنه عندما يكتب النص الشعري وفق أحساسات الصوت الداخلي يكون نصاً مفعماً بحسية عالية للصور الشعورية ، التي يتحكم بصياغتها الوعي من خلال تداعي اللاوعي . والتأكيد على مقولة أليوت: “أن مهمة الشعر ليست في التأكيد على شيء ما بأنه حقيقي ولكن في جعل تلك الحقيقة بالنسبة لنا واقعية بامتلاء”.

53027819 693560271042170 318474028316622848 n
د. أحلام غانم

53711515 2185054131579463 5494664271520333824 n

53873380 365542420841782 1287477568655589376 n

الشاعرة:جهاد المثناني

الهوامش: 1- ـ دليل الناقد الأدبي, ميجان الرويلي, 108 2-نفس المصدر .

موضوعات ذات صلة:

دراسة نقدية “شعرية الإبدال والتحول ” فى قصيدة سجدة

دراسة نقدية فى اعمال رنا سماحة

دراسة نقدية فى ديوان قصص “ثمة حارس يفزعه الوقت”

دراسة نقدية فى قصيدة “نقود الملاحم” للشاعر أبوزيد بيومى

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة