فى إطار حركة الحاضر والتاريخ واللاهوت

أحمد عزت سليم20 أغسطس 2018آخر تحديث :
فى إطار

(المقال الأول من سلسلة مقالات وعددها 4 مقالات، للمفكر في الشؤون اليهودية والصهيونية، أحمد عزت سليم، في نقده لقانون “القومية اليهودي”).

فى إطار حركة الحاضر والتاريخ واللاهوت تأتى أهمية دراسة مزاعم “مملكة داود وسليمان العبرية ” لكشف طبيعة وماهية الكليات اللاهوتية المزعومة للكيان الصهيونى والتى تشكلها وتؤسس ليهودية “الدولة ” الإسرائيلية وبعد المشروع العنصرى “قانون القومية” والذى يؤكد على العنصرية بـ أن “دولة إسرائيل هي البيت القومي للشعب اليهودي”، وأن “حق تقرير المصير في دولة “إسرائيل” يقتصر على الشعب اليهودي، و أن “لغة الدولة هي اللغة العبرية”، وأنها اللغة الرئيسية والوحيدة للدولة”، ومن خلال محاكاة وقائع النص التوراتى ومماثلاتها وتقليدها لنقل وقائع التركة التوراتية الماضوية إلى الحاضر والواقع الصهيونى : أفرادا وجماعات وجغرافيا وطبوغرافيا وتضاريسا فى محاولة تشكيل المؤتلفات الحسية والمعنوية فى كل معرفى يدعى لنفسه الصيرورة التاريخية والمعرفية لتفرض نفسها على الواقع الإنسانى، وبشكل تلفيقى وتبريرى وانتقائى، وفى إطار هذه التلفيقية ينكشف الخلل والاضطراب فى البناء والنسق الذى يشكل فكرة تسييد “مملكة داود وسليمان العبرية ” وفرضها من جديد على العالم ، ومن خلال ” الدولة الإسرائيلية الصهيونية ” وفى إطار ذلك يأـى تحليل ” مملكة داود وسليمان العبرية ” دراسة نقدية فى البنى اللاهوتية التى تشكل ماهية المبادىء العنصرية التى تحكم هذه المملكة وتقف وراء وتؤسس لمزاعم ” الدولة القومية اليهودية ” وهى : العهد الإلهى الأبدى ، والتفرد والنقاء والاستعلاء ، والإبادة ، والاحتيال والخداع ، والتهويد ، والجمع بين المتناقضات فى بنية واحدة ، والانتقاء والاستبعاد ، و الاشتهاء الدموى والمعاداة ، وصولا إلى حتمية تكرار العصر الذهبى حيث تتجلى ” مملكة داود وسليمان العبرية ” والتى تبلور فى نسقها هذه المبادىء العنصرية ، ومن ثم الجوهر الذى يحكم تصرفات وسيرورة هذه “الدولة ” العنصرية فى الواقع والتى تدعى ” القومية اليهودية.

و تأتى هذ المقدمة ـ قبل الدخول فى معية الدراسة النقدية المنهجية ـ ضرورة للتأكيد على أن دراسة عناصر لاهوت العنصرية الإسرائيلية لا يمكن أن تتم بمعزل عن اللحظة التاريخية الحاضرة بكل مكوناتها وفاعلياتها، ولتأكيد أن هذا اللاهوت يندرج تحت حركة التاريخ ، وأنه موضوعيا لا يشملها، بل أن هذه الحركة التاريخية الحتمية هى التى يندرج تحت فاعلياتها ودينامياتها هذا اللاهوت وتشمله مثل أى عناصر أخرى دون الزعم بالامتياز والتميز والتفرد والتفوق ، وبما تكون هذا اللاهوت من طبقات متعددة سواء على مستوى التنوع الجغرافى أو التنوع الأنثروبولوجى لجماعات بشرية مختلفة ، وكحقيقة موضوعية لا يضمها تاريخ واحد ولا تاريخ ممتد ولا تراث واحد ولا تراث ممتد، وهى بذلك تنفى المزاعم العنصرية التى يتم ترويجها لفرض وتسييد الكيان الإسرائيلى على الأمة العربية ، كما أن هذا التمهيد يكشف عن بعض هذه الفاعليات فى هذه اللحظة التاريخية التى يعمل فيها هذا اللاهوت والتى ينبغى فهمه فى إطارها لمعرفة العقلية الإسرائيلية المعاصرة وتوجهاتها القائمة والمستقبلية.

وبالقدر الذى يمكن فيه توصيف هذه اللحظة التاريخية بأبعادها ومكوناتها المتدفقة من ماض سحيق ـ متنوع ومتراكم ـ فى قلب حياة نشطة تتميز بديمومة الفاعلية والإنتاجية والتغير والتنوع والحركة ، نحو تشكل جديد ومستقبل جديد ، بالقدر الذى نستطيع فيه استكشاف الخطر ومجابهته ومقاومته بلا خوف ولا عجز، بل وتشكيل واقع جديد يعبرعن إرادة حقيقية لأمة بأكملها تبتغى الخلاص وتقوى على التقدم.

وفى هذا الإطار نؤكد على أن الصراع العربى- الصهيونى ” الإسرائيلى” قد دخل القرن الحادى والعشرين والضغوط القاهرة قد اشتدت على الواقع العربى بأنظمته السياسية التى تم توظيفها وتدجينها فى إطار ما يسمى بالنظام العالمى الجديد لكى تحافظ أول ما تحافظ على رجعيتها وعلى الكيان العنصرى الصهيونى فى فلسطين المحتلة ، وما للرجعية العربية والكيان العنصرى الصهيونى من ارتباط بالنظام العالمى الاستعمارى الغربى الذى يجمعهما معاً فى إطار المصالح الرأسمالية ، وتحت مسميات اللحاق بهذا النظام والاندماج فى بنيته الكوكبية التى تتحكم فيها مصالح الغرب الرأسمالى واستثماراته،وتتداخل فيها مجموعات الرأسمال العربى مع الرأسمالية الصهيونية والعالمية.

وقد توهمت هذه الأنظمة العربية وهى تلقى بميراث شعوبها ـ الذى أثقله تهاونها فى عمليات الصراع العربى ـ الصهيونى ـ وراء ظهرها بأنها قد تحررت منه والتحقت بالعالمية الجديدة والكوكبية الحديثة الظافرة وحازت على رضا أقطابها ، فإذا بهذه الأنظمة السياسية قد جرت نفسها إلى العمالة وشعوبها إلى براثن السيطرة الغربية الأمريكية والصهيونية ، والتبعية المخزية لها ، وبأهداف وطموحات متواضعة ، تبرز فى أوهامها المتضخمة السلام مع العدو الصهيونى “الإسرائيلى” وكضرورة أولية لإعلان الاندماج والالتحاق بالعالمية الجديدة ، والتى لم تقدم لها شيئاً سوى الخوف المرعب من اهتزاز كراسيها تحت تهديد سطوتها ، فإذا بالعالم العربى يقع تحت وطأة الغزو والاحتلال وتصنيع التجزئة بين أبناء الوطن الواحد والتقسيم والتفتيت والتفكيك كمقدمة أولى لإعادة الاستعمار إلى أراضيه ومن ثم تحقيق الأهداف والأطماع الصهيونية فى إقامة “إسرائيل” الكبرى وتهجير الشعب الفلسطينى بأكمله من أراضيه ونهب الثروات وانتزاع مكتسبات التحرر الوطنى من أيدى الشعوب العربية، وبنفس الدعاوى التى استكانت لها هذه الأنظمة وروجتها وضخمتها فى أوطانها بجنى ثمار السلام والتعاون والشراكة.

أصبحت هذه الدعاوى ذاتها ترهب هذه الأنظمة تحت مسميات النموذج الديمقراطى الغربى وواحة الديمقراطية فى “إسرائيل” /النموذج تارة ، ونموذج الديمقراطية الفذ الذى يحققه الأمريكان بجيوشهم- القريبة من عروشهم- فى العراق تارة أخرى أو تحت دعاوى حقوق الإنسان والأقليات ومحاربة الإرهاب مرات أخر، فتندفع حركة هذه الأنظمة إلى مزيد من الاستلام والتبعية والسقوط فى أحضان الحلف الغربى الأمريكى الصهيونى ، إلى الدرجة التى صارت فيها هذه الأنظمة كنزا إسترتيجيا بالنسبة لإسرائيل وكما أعلن وزير التجارة والصناعة الإسرائيلي بنيامين بن إليعازر صراحة أن “حسني مبارك بمثابة كنز استراتيجي بالنسبة لإسرائيل” ثم هى فى ذات الوقت تندفع بقوة استسلامها لتزيد من سطوتها على شعوبها وعلى أمانى هذه الشعوب فى التخلص والتحرر من سيطرة هذا الحلف وأعوانه.

فى حين أن الكيان العنصرى “الإسرائيلى” الصهيونى يستمد قوته من هذا الحلف الذى يقهر شعوب العالم العربى ويستحوذ على أنظمتها المستكينة، ويحصل على الدعم من النظام العالمى الذى تقوده القوى الاستعمارية وذلك بما يضمن تفوقه الإستراتيجى الدائم فى القوة العسكرية والنووية والتكنولوجية والعلمية والاقتصادية والدبلوماسية، ثم استغلال المسألة اليهودية بأبعادها الأخطبوطية المتعددة لتبرير الوجود والعدوان، تارة كتعويض عن الاضطهاد المزعوم الذى عانى منه اليهود فى العالم بأسره من العالم بأجمعه!

وتارة بأن العودة اليهودية إلى فلسطين تخلص أوربا من مشاكل اليهود، وأخرى العودة كتحقيق لوعد إلهى يؤمن به الأصوليون فى العالم المسيحى الغربى الأمريكى ، وأخرى باستخدام اليهود كجماعة وظيفية قتالية لتركيع العالم العربى ووضعه تحت التهديد الدائم لإخضاع ثرواته وشعوبه لمصالح الغرب الاستعمارى، ثم العودة بإقامة “دولة إسرائيل” كهدف مرحلى وأولى يستهدف السيادة العالمية وإخضاع شعوب الإنسانية للأهداف الصهيونية ، والعودة لشعب متفرد ومتميز لأرض مقدسة حل بهما الإله، ولتطهير هذه القداسة من الأغيار بقتلهم ليس كما تقضى تعاليم الشريعة الحقة فحسب ولكن بكون كل شئ محرم مسموح به فى سبيل البقاء ، كما قال أحد الزعماء الصهاينة فى حوار مع الأديب الصهيونى عاموس عوز ، حتى طرد العرب من الضفة الغربية .. وكما يقول ” فليقولوا عنا إننا نازيون … ماذا لو قتلنا من العرب مليوناً أو حتى ستة ملايين ؟ ماذا سيحدث ؟ سيكتب عنا صفحتين فقط مجللتين بالسواد ، ولكن ثمن ذلك سيكون عظيماً … سيأتى إلينا يهود الشتات ونصبح أمة تعدادها 25مليون … أمة تدعو للاحترام ، وبعد ذلك سينسى التاريخ .. ويأتى أدباؤنا ويكتبون روايات عظيمة عن المذابح التى ارتكبناها فى حق العرب ومشاعر الذنب التى تنتاب الجيل الجديد ، ويحصلون على جوائز نوبل مثلما فعل أدباء النازية الذين كتبوا عن الشعور بالذنب .. ما العيب فى أن يكون لكل دولة سجل إجرامى؟

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة