حكاية كتاب

محمود15 مارس 2020آخر تحديث :
حكاية كتاب

في إطار مشروعه التثقيفي «حكاية كتاب».. قدم مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية  حكاية الكتاب الخامس “الإسلام دين الإنسانية» للمستشرقة الألمانية الكبيرة/ آنَّا مَارِيَ شميل (1922م – 2003م).

مؤلفة الكتاب في سُطور

وُلِدت آنّا ماري شميل في السّابع من أبريل لعام 1922م في مدينة «إرفورت» بوسط الجمهورية الألمانية لعائلة بروتستانتية تنتمي إلى الطبقة الوسطى، ونشأت وحيدةَ أبويها في حقبةٍ حَرِجةٍ من تاريخ ألمانيا الحديثة؛ وهي بدايات الحقبة الاشتراكية القومية.

 

وكانت آنّا ماري منذ طفولتها شغوفةً بكل ما يتعلق بالشّرق، مُعجبةً بكل ما هو رُوحاني وصوفي في الإسلام، وغيره من الأديان الشَّرقية، وهو ما دفعها إلى تعلُّم اللغة العربية وهي ما تزال في الخامسة عشر من عمرها، ثم تعلُّم الفارسية، والتركية، والأردية، إلى جانب تلقيها دروسًا في مبادئ الدِّين الإسلامي، وتاريخه.

 

وفي عام 1939م نزحت مع أسرتها إلى برلين، وبدأت فيها دراستها الجامعية المتخصصة في الاستشراق، وبعد عام واحد من الدِّراسة بدأت في إعداد بحث الدكتوراه، والذي كان بعنوان: «مكانة علماء الدين في المجتمع المملوكي» تحت إشراف أستاذها المستشرق «ريشارد هارتمان»، وأنهته وهى في التَّاسعة عشر من عمرها، ونشرته عام 1943م في مجلة «عالم الإسلام» تحت عنوان: «الخليفة والقاضي في مصر في العصور الوسطى المتأخرة».

وفي عام 1961م شغلت آنا ماري منصب مُستشارة الشئون العلمية في مجال الدراسات الإسلامية إلى جانب عملها كأستاذة للغة العربية والعلوم الإنسانية، كما أشرفت على تحرير مجلة «فكر وفن» الدورية من عام 1963م إلى عام 1973م، وهي مجلة علمية كانت تنشر باللغة العربية، وتصدرها مؤسسة «جوته» الألمانية.

وفي عام 1970م خُصّص لها كرسي تاريخ أديان الشَّرق في جامعة «هارفارد» الأمريكية، بالإضافة إلى إلقائها دورسًا بمدينة لندن في صيف كل عام في مؤسسة الأبحاث الإسلامية.

ونظرًا لإتقانها العديد من اللغات الشرقية؛ نُشرت لها ترجمات للعديد من القصائد الشّعرية الصّوفية لجلال الدين الرومي، والحلاج، وميرزا أسد الله، وغالب الدّهلوي، ومحمد إقبال وغيرهم.

وفي عامي 1981م، و1985م صدر أهم كتبها: «محمد رسول الله» باللغة الألمانية والإنجليزية، الذي عبَّرت فيه بصدق عن تقديرها للرسول الكريم سيدنا محمد ﷺ، وهو ما أثار وسائل الإعلام الألمانية ضدّها؛ فردّت عليها بكلمات حازمة: «نعم إني أحبه».

وقد أنجزت آنّا ماري أكثر من 100 كتاب ودراسة ومقال في مجال الدِّراسات الإسلامية؛ فكتبت على سبيل المثال: في التعريف بالإسلام، وعن الرسول ﷺ، وعن تاريخ الحضارة العربية والإسلامية، وعن الصوفية، والفكر الصوفي، وعن الشعر العربي، والتركي، وعن الفنون الإسلامية، والخط العربي، وعن الحياة المعاصرة للمسلمين.

هذا، ولم تنقطع صلة آنّا ماري بالفنّ الإسلامي؛ فقد ظلت طيلة عشر سنوات مُستشارة لشئون الخط الإسلامي في متحف نيويورك.

ورغم مناوشات المناوئين لها في ألمانيا، حصلت آنا ماري كأول مستشرقة ودارسة للإسلام على جائزة السَّلام الألمانية التي يمنحها اتحاد الناشرين الألمان، ويُسلمها رئيس الدولة الألماني عام 1995م.

إضافةً إلى أنه لم يحظَ أحدٌ من المستشرقين بتقدير العالم الإسلامي مثلما حظيت؛ فقد كرَّمتها عواصم عربية وإسلامية عديدة، ومنحتها أرفع الأوسمة كوسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى الذي منحته لها القاهرة عام 1996م، بالإضافة لتكريمها في الرياض، ولاهور، وأنقرة، وطهران.

ولا شكّ أن موسوعيتها، وموضوعيتها، واحترامها للآخر، ودعواتها الُمتكررة للتّسامح، ودعمها المتواصل للتّعايش والتّفاهم بين الأديان هي سرّ ومرجع هذا التّقدير والاحتفاء.

تُوفِّيت آنّا ماري في 26 من يناير لعام 2003م، وكُتب على قبرها بالعربية والألمانية الأثر الإسلامي المشهور: «الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا».

 

أسلوب الكاتبة وسبب تأليف الكتاب

 

يُعدّ هذا الكتاب من أفضل كتابات آنا ماري شميل عن الإسلام، والقارئ البصير يجد بين سطور هذا الكتاب شخصيةً مُنصفةً للحضارة الإسلامية، ومُحبةً للتاريخ الإسلامي.

تقدم الكاتبة في هذا الكتاب أفكارَها بأسلوب سهل يعتمد على السَّرد الموجز والدَّقيق في آنٍ واحد، مع عمقٍ في الفكرة، ووضوحٍ في العِبارة.

وقد بدأت حكاية الكتاب حينما شاركت آنّا ماري بمباحثه كمحاضرات في كتاب أستاذها «فريدريش هايلر» أستاذ مقارنة الأديان في جامعة «ماربورج» الذي حمل عنوان: «أديان الإنسانية في الماضي والحاضر»، ثم راجعت المؤلفة بعد ذلك هذه المباحث، وخاصّة الفصل الأخير منها، والذي كان يحمل عنوان: «التَّطور الحديث للإسلام»، ثم نشرتها في كتاب مُستقل يحمل عُنوان الكتاب الحالي: «الإسلام دين الإنسانية».

بين يدي الكتاب

تألَّف «الإسلام دين الإنسانية» من اثني عشر فصلًا، تعرضت فيها المستشرقة الألمانية إلى العديد من الموضوعات والقضايا الإسلامية؛ مُبينةً فلسفاتها الخاصة، ومعقبةً على آراء كثير من المستشرقين المناهضة للإسلام دون سند أو بيّنة، وناظرةً للإسلام نظرة أشمل من النَّظرة الاستشرافية العدائية الُمتحيّزة ضدّه وضدّ تعاليمه.

فكان حديث الكاتبة في الفصل الأول تأريخًا لدراسة الباحثين الغربيين للإسلام وحضارته بشكل منهجي، بدايةً من القرن السَّابع عشر الميلادي؛ مشيرةً إلى أن العقلية الأوربية في هذه الآونة لم تكن على دراية بحقيقة الإسلام؛ بل كانت جُلُّ تصوراتها عنه وعن نبيه ﷺ تستند إلى أغلوطات تاريخية ومعرفية وشرعية، مع إثباتها لوجود بعض الأصوات التي نادت -ولأول مرة- بضرورة التَّعقُّل وقبول الإسلام، ومن ذلك وصف «هنري دي بولانفيه» رسول الله ﷺ بأنه: «داعٍ إلى ديانة منطقية يقبلها العقل».

كما اعتبرت أنَّ القرن الثَّامن عشر كان يحمل الرَّأي الموضوعي غير الُمتحيِّز عن الإسلام، وأرجعت السَّبب في ذلك إلى التَّرجمة الإنجليزية لمعاني القرآن التي أتمَّها «جورج سيل» عام 1734م، أمَّا البداية الحقيقية للدِّراسات الاستشراقية فقد كانت في القرن التَّاسع عشر على حدِّ إطلاق الكاتبة.

ثم تتابعت فُصول الكتاب مُتعرِّضةً لتاريخ الجزيرة العربية الدِّيني والاجتماعي قبل الإسلام، وعلاقة العرب بالمسيحية واليهودية، ومكانة اللغة العربية والشعر في تلك الحقبة، كما تحدَّثت عن حياة النبي ﷺ؛ بدايةً من ميلاده، ومرورًا بكبرى أحداث سيرته، وانتهاءً بحجة وداعه ووفاته.

ثم تحدثت عن تاريخ انتشار الإسلام؛ بدايةً من زمان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم سيدنا عثمان، وسيدنا علي رضي الله عنهما، ومرورًا بدولة بني أميّة، ثم بني العبّاس، والمماليك؛ وانتهاءً بانتشار الإسلام في الهند، والصّين، وإندونيسيا، وآسيا الوسطى، وغيرها من الدول.

ثم الحديث عن القرآن الكريم، وأسلوبه، وترتيبه، وحديثه عن الإنسان، وخطيئة سيدنا آدم؛ مع عقد مقارنة بين رؤية القرآن لهذه الخطيئة ورؤية المسيحة لها، مع الإشارة إلى أنَّ الإسلام لم يرَ توريث الخطيئة.

ثم الكلام عن السُّنة النَّبويّة، وتدوينها، وأهمية علوم الشَّريعة، والمذاهب الفقهية الأربعة، وإنصاف الإسلام للمرأة، وحفظه حقوق أهل الذِّمَّة، والجهاد، والعقوبات، والفلسفة الإسلامية، وعلم الكلام، ونشأة الفرق الإسلامية، وأهمية علوم الطب والطبيعة في تاريخ الحضارة العربية والإسلامية في العصور الوسطى، ودور الصُّوفية في نشر تعاليم الإسلام، وكرامات الأولياء.

 

ثم خُتِم الكتاب بالحديث عن الإسلام في العصر الحديث، وبيان مُرونته، وصلاحيته لمواكبة تغيرات الزَّمان والمكان، والحديث عن بعض الحركات الإسلامية في العصر الحديث.

ورغم كلِّ المحاسن التي حوتها صفحات الكتاب؛ إلَّا أنَّه كَطبِيْعَةِ أيِّ عمل بشريٍّ؛ -مهما بُذِلَ فيه من جهودٍ- لا يصل إلى درجة الكمال؛ ولا يخلو من انتقادات ومن بين هذه الانتقادات والملاحظات: احتواء الكتاب على بعض الأخطاء المنهجية والتَّاريخية، والتي منها:

 

1- القول بأن النَّبي ﷺ أقام في مكة بعد فتحها، والصواب: أنه أقام في المدينة بعد فتح مكة، وتُوفِّي بها، ودُفن فيها ﷺ.

2- كلام المؤلفة عن عقيدة الرَّجعة عند الشيعة، وقولها: إنهم -بحسب اعتقادهم- ينتظرون عودة الخليفة علي بن أبي طالب، والصواب: أن الُمنتَظَر -كما يعتقد الشِّيعة- هو المهدي وليس الخليفة، واسمه محمد بن الحسن العسكري وليس سيدنا علي.

3- خلطها في تحديد عقوبة الزّنا بين الجلد والرَّجم.

4- ربطها بين دخول النَّار وعدم الشَّفاعة.

5- خلطها بين أعمال السَّحرة والدَّجالين وبين الطُّرق الصّوفية.

6- قولها: إن تطور المدرسة الحنفيَّة كان على يد ابن تيمية، والصَّواب: أنَّ الإمام ابن تيمية أحد فقهاء مذهب الحنابلة.

7- تحيّز الكاتبة في بعض الأحيان لديانتها، ومن ذلك قولها: «إن مصير الجزيرة العربية ربما كان سيتحول إلى المسيحية في نهاية القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر الميلاديين؛ ما لم يشرق نور الإسلام على جزيرة العرب»، وهذا لا يخلو من مبالغة.

☆ وبالتأكيد لم نقصد في هذه البطاقة تتبع جميع ما للكتاب أو عليه؛ وإنما قصدنا إعطاء القارئ تصوُّرًا عامًّا عن الكتاب ومُؤلفته، يدعوه إلى قراءته، ويعينه على فهم الكتاب وأسلوب كاتبته

 

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة