السلطان قابوس بن سعيد الذي صنع مجدا ولم يعادي أحدا

سلام ناجي حداد11 يناير 2020آخر تحديث :
صفحات من انجازات السلطان قابوس بن سعيد لبلاده
صفحات من انجازات السلطان قابوس بن سعيد لبلاده

من بلد تمتلك ثلاثة مدارس فقط تعيش في ستينيات القرن الماضي واقعا مذري من الانتكاسة المعيشية والتراجع الاقتصادي، ليأتي السلطان قابوس بن سعيد حاكم السلطنة الراحل من أجل صناعة دولة فعلية من الاقتصاد والسياسة والإدارة، حيث بدأ ذلك بتحقيق هيكل إداري حقيقي لدولة حديثة قائمة على السلطات والفصل فيما بينها وإنشاء الإنجازات والتي بدأت في الأعوام الخمس الأولى من حكمه بالعمل على انعاش الاقتصاد وإحياءه.

النفط المكتشف حديثا في السلطنة عام 1968 لم يكن غزيرا بما يكفي مثل دول الجوار، حيث تمكن من بناء اقتصادا قويا نوعا معتمدا على عدة مصادر للدخل، على خلاف دول الجوار التي غرقت في الفساد ونهب أموال الشعوب النفطية والاعتماد على نهج شراء اللوحات الفنية واليخوت الفارهة والأسلحة المدمرة التي لا تدمر شئ “ويأتيها العناصر المسلحة تسليحا متوسطا من الجنوب لتهدد دولة مساحتها هي الأكبر بين الدول العربية ودخلها من أعلى الدخول التي تصرف على الولايات المتحدة ورؤسائها وبناتهم وأبنائهم خوفا من البعبع المصنوع لهم لمحاذاة إسرائيل أكثر وأكثر وانزال الجزية عن يد صاغرة بشكل أكبر وأكبر.

في انجازات صنعت تاريخ سلطنة عمان في العقود الخمس الأخيرة كان السلطان قابوس بن سعيد حاكم عمان الراحل يتمتع باسترايتيجيتين هائلتين، يعتمد عليهما في عملية التحديث الخاصة به لإنجاز ما يمكن إنجازه لبلاده قبل الرحيل تاركا بعده بلدا حديثا وعلى مستويات مرتفعة من القوة الاقتصادية والمعيشية والإدارية.

اعتمد السلطان على الاستراتيجيتين هما العمل واللا عداوة، حيث كان له العقل المستقل الذي يبحث عن مصالح الشعب الصغير “عددا” والكبير مقاما حيث ان تعداد السكان 4.6 مليون نسمة فقط، بينما كانت الاستراتيجية الثانية هي استراتيجية العمل والانجاز وفقط.

اللاعداوة في عمان عيوب وانجازات ضخمة

اعتمد سلطان سلطنة عمان السلطان قابوس بن سعيد، مبدأ اللا عداوة مع جميع الدول فكان له علاقات طيبة بكافة الدول، حيث كان يصنع علاقات جيدة مع الدول وأعدائها، بداء من فلسطين وإسرائيل حتى إيران والولايات المتحدة الأمريكية، ولنا وللعرب عتب عليه في قضيتين اثنتين قبل أن نبارك انجازاته، وهي أولا لقاءه برئيس وزراء الاحتلال الصهيوني بنيامين نتنياهو في العاصمة مسقط، ورسالته التي أرسلها قبل عامين إلى رئيس العصابة الحاكمة في سوريا بشار الأسد يهنأه فيها على القضاء على الإرهاب.

أخلاقيا فإن في مثل تلك الرسالة دروسا وعبر، إلا أنه من الناحية الاستراتيجية يبين للجميع أنه كان لديه علاقات جيدة لصالح بلاده مع الجميع حتى الشيطان نفسه أو الشيطانين لنكون أكثر دقة.

السلطان قابوس بن سعيد

مثل ذلك المبدأ الاستراتيجي مكنه من انجازات تساعد بلاده بداية من فتح البلاد أمام العمالة الخارجية والتي فيها 4.6 مليون من العمالة الأجنبية التي تسهم في مزيد من الانتاج بالإضافة لإفادته الانسانية التي تحتاج للرزق الذي صنعته حضارته، وحتى التبادل التجاري واستغلال الثروات دون الحاجة لنهبها مثلما تفعل أنظمة تسيطر على أكثر من ثلثي العالم العربي.

في تصريحات سابقة له عام 2008 قال السلطان قابوس بن سعيد أن دولته لا تصنع صراعا ولا تشعل النار حينما يختلف أحد مع رأيها وهو نظام وديع للغاية على المستوى السياسي إلا أنه شرس على مستوى الانجاز.

ودفعت تلك الاستراتيجية إلى انجازات كبيرة حيث أسس وزارة الخارجية بعد توليه منصب السلطان مباشرة، وتمكنت من الانضمام إلى جامعة الدول العربية، وخطط من خلال الوزارة لسياسات خارجية تعتمد على الصالح العام لبلاده، وافتتح سفارات عمان في أنحاء العالم بينما افتتحت سفارات البلدان في السلطنة، واستقبلت البلاد البعثات الدبلوماسية، وأرسلت بعثاتها إلى الخارج، ولعل أبرز ما حققها من انجازات في الشأن الخارجي هو تسهيل الاتفاق النووي المبرم بين واشنطن وطهران عام 2015.

وكان الاتفاق قد بدأت بتسهيلات من قبل السلطان قابوس بن سعيد الذي استضافت بلاده اجتماعات سرية لمفاوضات بين الطرفي أدت في الأخير إلى اتفاق نووي بين الولايات المتحدة وقوى عالمية من جهة وبين إيران من جهة أخرى، إلا أن سياسات الولايات المتحدة الأخيرة تسببت في انسحابها منه إلا أن الاتفاق لا يزال قائما بين القوى الدولية وإيران وقد ينبسق عنه اتفاق جديد أكثر ثباتا.

الاستراتيجية الثانية

استراتيجية العمل والانجاز كانت من أهم مميزات السلطان الراحل، الذي بدأت السلطنة في عهده بانتاج النفط وتصديره بعد اكتشافه بعامين، حيث تولى السلطة عام 1970، وبعد الخمسة أعوام التنموية الوطنية الأولى التي صنع منها سلسلة خماسية لكل خمسة أعوام يكون فيها أهداف وخطة تنموية خاصة، قضى على الثورة في محافظة ظفار التي استمرت عشر سنوات وذلك عام 1975، وهي الثورة الاشتراكية الضخمة ضد نظامه.

عمل على المستوى السياسي من أجل نقل البلاد نقلة حضارية حداثية ضخمة من خلال انهاء الحكم القبلي التفليدي والانتقال للنظام القومي الحديث، من خلال انشاء مجالس استشاري للدولة وبعدها تم انشاء مجلس الشوى المطور من المجلس الاستشاري الذي يضم ممثلين عن الأقاليم وتشرف عليه أعلى هيئة تنفيذية تعرف بمجلس عمان والذي من شانها أن تختار خليفته فيما بعد.

تمكن السلطان قابوس بن سعيد من صنع حضارة وبناء دولة من الأرض التي يسكنها شعب صحراوي قبلي، فأنشأ الكباري وأقام المدن الحداثية على الطراز العماني الخاص، بالإضافة لجذب الاستثمارات والتصدير وصناعة البترول وقدم أموال ذلك للدولة وشعبها دون حاجة له في السرقة، ليطلق عليه مؤسس عمان الحديثة، لتكون وجهة سياحية واستثمارية للكثيرين ومحور من محاور الشرق الأوسط.

السلطان قابوس بن سعيد

من خلال العمل الدؤوب والمخلص والأمين من السلطان قابوس بن سعيد تمكن من بناء نهضة كبيرة ففي مجال التعليم أنشأ المدارس وأتاج التعليم للجنسين الذكور والإناث، أما في الصحة فقد أنشأ المستشفيات والعيادات ومراكز الطب والتي امتلأت بأحدث المعدات الطبية والأدوية وذلك في العاصمة والأقاليم بالتساوي، وذلك بالإضافة إلى التنمية الصناعية التي بنى فيها مصانع إنتاج وتكرير البترول، ومصانع الإسمنت والتمور وقدم دعما مهولا للمزارعين من أجل تطوير الزراعة في البلاد وتحديثها بعيدا عن الطرق التقليدية، وهو ما حقق لعمان استقلالا غذائيا، حيث أصبحت السلطنة تنتج الفواكه والخضروات والقمح وغيرها كما ازدهرت التجارة الخارجية والداخلية ووسائل المواصلات وأنشأ مينائين هامين هما ميناء السلطان قابوس في مطرح وميناء ريسوت في المناطق الجنوبية.

انضمت عمان إلى مجلس التعاون الخليجي في بدايات الثمانينيات، وعمل على تحقيق الدفاع المشترك والمشاريع المشتركة، ليصل ببلاده إلى فترة من الازدهار الاقتصادي والرخاء والهدوء على المستوى السياسي والأمني.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة