ماذا يحدث فى المجتمع المصرى ؟ ــ 3

أحمد عزت سليم17 مايو 2020آخر تحديث :
ماذا يحدث فى المجتمع المصرى ؟ ــ 3

 

بقلم :ــ أحمد عزت سليم

لقد أدى ظهور مجموعة من الجرائم تتنافي مع أسس وقواعد منظومة القيم التي تحكم هذا المجتمع إلى مؤشر يدل علي بداية إنهيار منظومة القيم التي تحكم المجتمع وتصونه ، وتحافظ علي نسيجه وتميزه  وللأسف ، أن نسيج المجتمع المصري بدأ بوضوح فيه العاملين الرئيسين اللذان يمثلان عاملان لتهديد أي منظومة قيم إجتماعية  وهو ما يدق ناقوس الخطر للبحث والدراسة لكيفية مواجهة هذه الكارثة ، وفي محاولة البحث لجذور هذه الأزمة نجدها على النحو التالى : ــــ

ــ عوامل أقتصادية : ـــ جعلت الأفراد سعيهم الدائم للبحث علي كسب العيش ، كما أدت ضغط العوامل الأقتصادية لانشغال الوالدين لساعات طويلة مما قلل من فترات إكساب الوالدين لأولادهم المعارف والقيم الازمة .

عوامل تنكولوجية : ـــ فمع دخول وسائل الأتصال الحديثة ، والوسائل التنكولوجية المتعددة من نت ، وأجهزة الحاسب الألي ، المحمول بكافة أجياله وقدراته .

ــ عوامل إجتماعية : ـــ تحول  أنتماء الشباب للشلة والأصدقاء وغيرها من الأنتماءات الشبابية عن أنتمائته للأسرة
ــ عوامل دينية : ــــ غياب قوة تأثير الدين ، والتوعية بالقيم والمبادئ والدروس الدينية كنتجية لسطوة نفوذ وتأثير الفضائيات السافيهة  (1) .

ويرصد د. وليد محمود عبد الناصر فى بحثه الذى رصد فيها متغييرات القيم والسلوك التى تعرض لها المجتمع فى حقبة التسعينات حيث تعرض المواطن المصرى إلى هذه المتغييرات  على النحو التالى : ــــ

* انتفاء قيمة الخير والحب   إذ أصبح الخير والسعي إليه والعمل على تحقيقه سواء للذات أو للآخرين من الأمور النادرة وكأنه أصبح معقودا على الذات فقط فكل شخص يتمنى الخير لنفسه ولذويه فقط فإذا كان بمقدوره أن يساعد الآخرين فيه ويوفره لهم ، ضن به وبخل عن تقديمه حتى لا ينعم الآخرون به .

* تراجع قيمة الإحساس بالأمان والطمأنينة  ففي عهد عبد الناصر كان ميل المصري للطمأنينة قويا ، لاعتماده على شخصه وعلى الدولة التي وفرت له كل شيء وفي عهد السادات بدأ القلق والاكتئاب يتسربان إليه واستمر ذلك خلال الثمانينيات والتسعينيات وحتى اليوم إلى أن لوحظ أن المصري أصبح مسكونا بالانفعالات المختفية تحت بعض الصمت والسكينة ، الأمر الذي يعبر عنه بالمجاملة حينا وبالنفاق حينا آخر وانتهى الأمر به أن هرب إلى الغيبيات ، حيث الطمأنينة المزيفة ، وامتزجت عنده روح الفكاهة بالاكتئاب ، حتى أصبحت الفكاهة تعبيرا عن المرارة والسخرية وليس عن المرح  .

* انتفاء قيمة العدالة   حيث علا شأن لاعبي الكرة والفنانين ، في حين تراجعت حظوظ المفكرين والعلماء وغابت العدالة الوظيفية بسبب المحسوبية والعدالة السياسية جراء تزوير الانتخابات والعدالة الاقتصادية بسبب الرشوة والفساد ، والعدالة الاجتماعية بسبب تصعيد المنافقين والمؤيدين وكتاب السلطة ، ومن ثم باتت قيم النفاق والوصولية والنفعية والتواكل والصعود على أكتاف الآخرين هي الصفات الغالبة ، وغدا التفاني في العمل أو العلم والابتكار وتعليم الأجيال من الأمور غير المرحب بها.

* تراجع القدوة   إذ أصبح الناس يفتقدون النموذج الذي يقتدون به، خصوصا في ظل انتشار أخبار فساد أصحاب المناصب العليا والزعماء السياسيين والروحيين ، ولأن المصري مرتبط منذ عصور الفراعنة بفكرة الشخصية «الكاريزمية» الموحية والمؤثرة ، فإن شيوع تلك النماذج كان له تأثيره السلبي المباشر على قيم الأجيال الجديدة .

* تراجعت قيم العلم وازداد احتقار اللغة   كما تراجع التفكير العلمي، ومعهما تراجعت قيمة العمل، الذي أصبح مقصورا إما على أصحاب الواسطة أو خريجي الجامعات الأجنبية ، وإزاء انتشار الفساد تراجعت قيمة الأمانة وشاع التسيب واللامبالاة .

* تراجعت قيمة الأسرة     التي أصبحت تواجه خطر التفكك، في ظل غياب التراحم، وزيادة مؤشرات الفردية والأنانية والاستغراق في المظهرية والتطلعات الشخصية.

* تراجع قيمة الانتماء للوطن   إذ أصبح المواطن المصري جزيرة منعزلة مستقلة عن الوطن، يشعر بوحدة غريبة، وانكفاء على الذات وذلك نتيجة لإقصائه عن أي مشاركة، إضافة إلى أنه لم يعد يشعر بأن الدولة تحتضنه وترعاه ، ولذلك لم يعد غريبا أن تتزايد معدلات الهجرة إلى الخارج، وأن يغامر الشباب بالتسلل عبر الحدود والتعرض لمخاطر ركوب البحر واحتمالات الغرق، لكي يصلوا إلى الشواطئ الأوروبية التي يحلمون بأن يحققوا بعض أحلامهم على ضفافها. (2)

وكما يكشف د. علي ليلة فإن الثقافة ومنظومات القيم نلعب دورها في ضبط التفاعل الاجتماعي من خلال أربع صيغ‏ ، من خلال الصيغة الأولي توجد القيم كما هي بإعتبارها عناصر رمزية توجه التفاعل في كل مجال من مجالات التفاعل الاجتماعي ‏ فهناك قيم خاصة بالأسرة‏,‏ وأخري خاصة بالتعليم وأخري خاصة بالاقتصاد كالأمانة مثلا والجودة‏,‏ والصدق وغير ذلك من القيم‏ ، وتؤدي القيم دورها في توجية سلوكيات البشر في كل مجال من المجالات الاجتماعية‏.‏ ومن الناحية الثانية تتحول القيم في مجالات الواقع الاجتماعي المختلفة إلي أشكال معنوية ومعيارية تتولي ضبط التفاعل الواقعي بصورة مباشرة‏ ،‏ وفي هذا الإطار تتحول القيم إلي تقاليد وأعراف ومعايير وقواعد تتولي الضبط المباشر للتفاعلات والسلوكيات الواقعية‏,‏ فنحن نحتكم عادة إلي التقاليد والأعراف والمعايير في شئون حياتنا اليومية ،‏ ويشكل الضمير الفردي الذي يتشكل من خلال عملية التنشئة الاجتماعية الصورة الثالثة التي توجد علي أساسها القيم في المجتمع ،‏ إذ يستوعب الفرد من خلال هذه العملية قيم المجتمع ومثله فتشكل ضميره الفردي الذي يوجه سلوكه من داخله في مختلف المجالات الاجتماعية‏، وتعد صيغة التوقعات المتبادلة هي الصيغة الرابعة التي توجد بها القيم وتؤدي فاعليتها في المجال الاجتماعي‏ ، وتعني صيغة التوقعات المتبادلة أن الأفراد وهم يتفاعلون مع بعضهم يتوقعون سلوكيات بعضهم البعض لأنهم يؤدون هذه السلوكيات بالنظر إلي قيم مشتركة ومتفق عليها‏ ، ومن الطبيعي أن تلعب هذه الصور الأربعة دورها في ضبط سلوك الأفراد‏,‏ إما من حيث وجودها كمعاني رمزية وموجهات عامة وإما من خلال كونها تقاليد وأعراف ومعايير تضبط التفاعل الاجتماعي ، أو من خلال ضمائرنا الفردية الموجهة لسلوكياتنا‏ ,‏ أو علي هيئة أن سلوك كل منا محكوم بتوقعات الأخر عنه‏,‏ ومن ثم نجده يتصرف في غالب الأحيان وفقا لهذه التوقعات ‏.‏

فإذا حاولنا التعرف علي مصادر القيم في المجتمع فسوف نجد أن هناك أربعة مصادر أساسية ويشكل الدين في أي مجتمع من المجتمعات قاعدة الثقافة ومنظومات القيم‏ .. فالحلال والحرام الديني هو في الغالب الصواب والخطأ الثقافي‏,‏ ومن ثم فكلما كانت المعاني الدينية متجددة كلما كانت الثقافة أقل محافظة وأكثر ميلا لإستيعاب ما هو جديد‏‏ وإذا كانت الثقافة ذات طابع متجدد علي هذا النحو‏,‏ فإنها بذلك تلعب دورا أساسيا في إمتلاك المجتمع لقدر واضح من العافية والصحة الثقافية‏‏ ويشكل التراث الثقافي المصدر الثاني لثقافة المجتمع ومنظوماته القيمية‏.‏ هذا التراث ينتقل إلي المجتمع عبر تتابع الأجيال‏,‏ غير أن هذه الثقافة التراثية وإن إنحدرت لنا من الماضي‏,‏ إلا أنها تكتسب حيوية إذا أعيد إنتاجها من خلال التفاعل الاجتماعي القائم والمعاصر‏,‏ وهو التفاعل الذي يتولي تعديل بعض جوانبها‏,‏ قد يحذف منها أو يضيف إليها‏.‏ ويشكل التفاعل الاجتماعي الذي يشارك فيه البشر في المجتمع المصدر الثالث للثقافة‏,‏ وإلي جانب أن التفاعل يعدل من الثقافة التي تنحدر إلينا من الماضي‏ ،‏ غير أن هناك بعض القيم والقواعد التي تظهر أيضا من خلال تفاعل البشر مع بعضهم البعض‏,‏ وهنا نجد أن التفاعل الاجتماعي إلي جانب أنه يتولي إعادة إنتاج الثقافة فإنه يتولي إنتاج بعض القيم كذلك‏.‏ وتشكل الثقافة الواردة إلينا من الخارج المصدر الرابع لثقافة المجتمع‏,‏ فنحن الأن في عصر وعالم الفضاءات الثقافية المفتوحة‏,‏ حيث تنتقل الثقافات وتتحرك منظومات القيم بلا حواجز‏,‏ ومن الطبيعي أن تخترق بعض القيم الوافدة الخارج ثقافة المجتمع‏ ، وفي هذه الحالة فإذا كانت ثقافة المجتمع تمتلك القوة والعافية‏,‏ فإنه يكون بإمكانها هضم العناصر الثقافية الوافدة بما يقوي بنيتها‏,‏ أما إذا كانت ثقافة المجتمع ضعيفة فإن العناصر الثقافية الوافدة هي التي تولي إعادة تشكيل هذه الثقافة الضعيفة وفق طبيعتها‏.‏ (3 )

المراجع :ــ

1 ــ أمنية سالم ، تهديد منظومة القيم في المجتمع المصرى ، دنيا الوطن ، 4 أبريل 2009

2 ــ  د. وليد محمود عبد الناصر ، المجتمع المصرى ومنظومة القيم ، رؤية تحليلية نقدية ذات بعد تاريخى ومنظور مستقبلى ،سلسلة قضايا مستقبلية – العدد الثامن، مجلس الوزراء المصري – مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، يونيو 2008

3 ــ د.‏ علي ليلة ، تحولات الثقافة ومنظومات القيم في مصر ، مجلة الديمقراطية – العدد 31 – يوليو 2008 .

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة